شكوى مدينة
طالما كانت المدن والأماكن في جميع أرجاء المعمورة تحمل جزءاً كبيراً من إرث أهلها وحضارتهم خاصة وإن كان ذلك الإرث قد شقّ عباب التأريخ في رسوخ قدمهِ فوق قاعدة العلم والأخلاق والفضيلة، فما عهدناه وسمعناه أن التكريم لتلك المدن هو جزء من تكريم أهلها، واحترامها وتقديسها واجب على كل مجتمع يحمل الامتنان والمعروف لإرثه وتأريخه، بل شهدنا أيضاً أن هذا الاعتزاز والتفاخر بالمدن يبقى لدى الشعوب حتى وإن زالت تلك المدن من وجه الأرض وانمحت آثارها ولم يبقَ منها إلا الأطلال.
وعوداً على بدء فإن ما قلناه آنفاً لم يتحقق كما ينبغي له في مدينة مقدسة حسب الفرض، فمدينة كمدينة الكاظمية التي حملت في طيَّات ترابها جسدين طاهرين هما موسى بن جعفر وحفيده محمد بن علي (عليهما السلام)؛ هي المدينة الوحيدة التي سمِّيت باسم المعصوم على مرِّ التأريخ، وهي المدينة الوحيدة التي لم تُعرف لولا وجود معصومين فيها, مدينة تنافس أعظم المدن في سبقها العلمي والحضاري، وكانت محطّ العلماء والأدباء قبل أن تعرف باقي المدن القراءة والكتابة ربما.
هذه المدينة التي كان تأريخها مجيداً وزاخراً بكل معاني الرُقي والازدهار العلمي والفكري والثقافي، وهكذا يفترض أن يكون حاضرها ينبض بالعطاء ويشعّ بالخير، وهذا ما يحتِّم على كل من ينتمي لهذه المدينة العريقة أو يدَّعي الانتماء إليها أن يستشعر هذه الحقيقة ويعمل جاهداً على تحقيقها، ويجهد نفسه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً في تغيير الواقع المتردِّي على جميع المستويات، ويعزز انتماءه الحقيقي لهذه البقعة الطاهرة، لتكون هذه المدينة المقدسة بحق مصدراً من مصادر الفخر والاعتزاز لدى نفوس أبنائها ومن ينتمون إليها من قريب أو من بعيد.
فصبراً مدينتي الغالية لعلّ الصبح قريب وإلى الله المشتكى.