تقسيم العراق يبقى خياراً بعيداً
بلد يباع (بالتفصيخ) شعار يرفعه الصخابون المتبذلون أصحاب الذمم الرخيصة والضمائر المعروضة للبيع، يريدون تقطيعه وبيع أشلائه على شذاذ الآفاق بثمنٍ بخس دراهم معدودات، يريدون أن تتلاشى معالمه وتختفي آثاره، يريدون لأبنائه أن يعيشوا واقعاً جديداً من التشرذم حسداً من عند أنفسهم، إذ لم يحتمل أخوة يوسف، وهم طاوون على حسك حقدهم أن يروا العراق واقفاً كالطود الشامخ وكالعملاق المارد، لأنه متى ما وقف على قدميه تقزم كل من حوله، أو متى ما استرد عافيته فإنه سوف يقبح وجوه كل الذين زايدوا على مصيره وتلاعبوا بمقدراته، ولأجل ذلك أعدُّوا حبائل مكرهم وبيَّتوا وسائل غدرهم بما سمحت لهم أنفسهم الضعيفة، كي يعجلوا بتقسيمه ويذهبوا بريحه، فتآلفت مختلفاتهم وتآزرت متنافراتهم وتلاقت متبنياتهم وأهدافهم، فتحالفت تلك الطوابير الطائفية المحلية مع الدول الأقليمية الطامعة، على كلمة واحدة ومشروع واحد هو تقسيم العراق إلى كيانات ودويلات طائفية متناحرة ضعيفة، ما يسمح لأصحاب هذا المشروع باستثمار الأوضاع لصالحهم، فقد عملوا في الماضي على ما يمكن تحقيقه للحصول في المستقبل على ما يصبح ممكناً ومتحققاً، والعراق عُمِل عليه منذ وقت ليس بالقريب فأدخل المطبخ الغربي ليصنع منه كعكة العيد، يتولى الخونة والطائفيين أشعال النار تحتها لإنضاجها للآكلين والمقتسمين، ولا عجب أن تظهر شخصيات هزيلة هنا وهناك مدعومة من أجندات أجنبية تطالب بتقسيم العراق على اساس فيدرالي من خلال ما سمح به الدستور، الذي وضع لكي يجسد مفهوم التقسيم من خلال تسمية الدولة بالدولة الاتحادية أو الفيدرالية، فلفظة اتحادي تجعل الباب مفتوحاً أمام الانفصال لأنه يعطي لكل أقليم الحرية في تشكيل هويته ويصوغ قوانينه وتنظيماته الخاصة به ويمكنه من إدارة ثرواته بنفسه ما يؤهله للحصول على مقومات مشروع دولةٍ مستقلةٍ عن المركز، وهذا هو الحاصل مع الأقليم الكردي، ثم إنَّ تلك الشخصيات أختيرت بعناية فائقة من قبل الغرب من أصول وجذور يُطمئنَ لها ويُركن إليها، فهيئت لها الأسباب كي تؤدي عنه بالنيابة مشروعه المستقبلي، ومثاله ما حصل مع القائد العثماني (أتاتورك) الذي هُزِم ودُحِر من قبل الإنكليز في فلسطين، وفجأة يُهيَأ له النصر على الحلفاء التي هزمت المحور في الحرب العالمية الثانية، بإمكانيات أقل من تلك التي واجه بها الإنكليز وهو أمرٌ غريب عجيب، إلاّ أن العجب يزول والغرابة تنقشع في اللحظة التي نعود بها إلى أصول هذا القائد لنجده من أصل يهود الدونمة، وأنه كان يحقق أهداف إنكلترا وفرنسا في تقسيم البلاد العربية، ويحل المشكلة اليهودية على حساب العرب، ويكبت روح الإسلام في تركيا، وعلى ذلك فقس من تلك الشخصيات التي طفحت على السطح العراقي وكانت قبل ذلك نسياً منسياً، ولكن هؤلاء لم يكونوا ولن يكونوا بالشيء المؤثر في قلب معادلة البلد، لأن هؤلاء معروفون لدى الشعب العراقي ونواياهم معلقة على الأبواب مكشوفة للكل، كما أننا نعتقد أن العدو لا يمتلك عصى موسى ولكنه يتحين الفرص ويتحرك في الفراغ الذي نتركه له، (إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) ، وما دام هناك رجال صادقون لا يتركون ورائهم فراغ يتحرك من خلاله الأعداء، ويملؤون كل الثغرات التي من المحتمل أن ينفذ منها، ويقطعون عليه بما وهبهم الله من نضج كبير طريق المضي قدماً نحو مشروعه المشؤوم، فسوف يغدو مشروعه لا شيء كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً، (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) ، إذ أن الشعب العراقي وهذه النخبة الطيبة الصادقة من رجال الحشد الشعبي، بما تتحلى به من ضبط للنفس في كل الظروف الصعبة القاهرة، وبما تتمتع به من مستوى لا تفقد معه معنى التحدي والصمود أمام المخططات وتلك المكائد، فإننا نقطع بضرس قاطع أن الشعب العراقي وفصائل المقاومة الإسلامية والحشد الشعبي لن يرضخوا لمبدأ التقسيم مهما كان الضغط كبيراً ومهما كانت التضحيات كبيرة، هذا أولاً وثانياً إن العراق بوضعه المعقد وبطبيعته الجغرافية المعقدة سيبقى تقسيمه خياراً بعيداً، فلا الأمريكان أو غيرهم بقادرين على تمرير مشروعهم هذا وإن كانوا يرغبوا بتنفيذه ألف مرة، لأنهم يعلمون أن تقسيم العراق سوف يؤثر سلباً على الواقع الإقليمي ومعناه فتق ما لا يرتق، فتقسيمه إلى دويلات ثلاثة كردية في الشمال وسنية في والوسط والغرب وشيعية في الجنوب يعني الآتي فلو سمحت أمريكا بأنفصال الأكراد وتكوين دولة خاصة بهم فهذا يعني ضرب مصلحة حليفتها تركيا بالصميم، ولو سمحت بانفصال الجنوب فسيكبر هاجسها وتخوفها من أحتمال أن يكون الجنوب قاعدة متقدمة لإيران- بحسب تصورها - وبالتالي سوف تهيمن إيران على منطقة الخليج، إذاً فمصلحة أمريكا والدول الكبرى تقتضي عدم التقسيم، أضف إلى ذلك النضج والوعي الحاصل لدى أبناء الشعب العراقي ولدى الحشد الواعي لكل المخططات الرامية إلى تقسيم العراق، وهو على استعداد للوقوف دوماً بالمرصاد لكل من يحاول المساس بالعراق ووحدته، أضف إلى ذلك استشعاره العالي بهموم شعبه، لأنه منهم يلتمس آلامهم ويمسح على جراحاتهم، كما إنه يعتز بكل أبناء شعبه ويقف على مسافة واحدة منهم من دون فرق رغم تنوعهم وتعدد أطيافهم ويرفض الفرقة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، كل ذلك يبقي العراق بعيداً عن مشروع سايكس بيكو.