الإمام موسى بن جعفر الكاظم "عليه السلام" حياة الأمة
قال الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام):
لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ولَتَنْهُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُسْتَعْمَلَنَّ عَلَيْكُمْ شِرَارُكُمْ فَيَدْعُو خِيَارُكُمْ فَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ.
حياة الأمة .. قيمة الأمة هي في المبادئ التي تؤمن بها و في الدور الذي تقوم به في حياة الناس، إذ لا يمكن المفاضلة بين الأمم من الجانب الذاتي لأنهم من آدم وآدم من تراب - كما ورد في لسان الحديث الشريف - ولا تفضيل بينها بسبب الامتيازات الغيبية كالتي ادعاها اليهود وكذبها القرآن والواقع الخارجي بل بما قدمنا به, و إذا كانت قيمة الأمة من هاتين الحيثيتين لا غير فإن الحكم على قدرتها في العطاء وبقائها أنموذج يُحتذى به تابع لهما.
وعليه يكون مدار شرف الأمة و امتيازها بهما, ولما كنا نحن المسلمين نؤمن أن الأمر الأول – المبادئ - يتنزل من عالم الغيب والشهادة بكلياته وتفصيلاته, وأداه لنا الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) والأئمة(عليهم السلام) من بعده فلا كلام لنا في صدقه وواقعيته, بل أن القرآن والسنة المطهرتان عرضتا متقابلات إذا انتهجت الأمة أحدهما رفعت الثاني والعكس كذلك, وعنونت عنوانين عامين لكل ما يتعارف عليه أنه خير وحق وبر وعدل وطيب وكرامة.. وغيرها فأطلقت عليه عنوان المعروف, وعنونت لكل ما يتعارف عنه أنه شر وظلم وعقوق وفساد وإضرار ومهانة.. وغيرها فأطلقت عليه عنوان المنكر وشأن هذين العنوانين إصلاح المجتمع وإسعاد الأفراد لانتشار روح الفضيلة وانطماس الشذوذ والانحراف, وبكلمة أخرى أنهما (المعروف والمنكر) لا يختصان بمورد من الموارد بل هما يشملان ما جاء به الإسلام من قيم وتصورات ويشملان القوانين التشريعية والأحكام التبليغية ويقران أو ينفيان الأوضاع والتقاليد المتصفة به الأمة, ويمكن القول أنهما يحولان النظرية إلى عمل والشعور الباطني المعتقد إلى حركة, ولهذا كان جانب التطبيق هو العنصر المتوقفة عليه قيمة الأمة لذا كان أحد هواجس قادة الدين وشاغلهم المستمر, وقد تناولوها كقضية فكرية بها تقتفي الشخصية الداعية وكونها واجب لازم تدعو الأمة بأفرادها للعمل بموجبها, وذلك إن الاختيار الإنساني العنصر المهم في بقاء الأمة فإذا أحسنت الأمة ومنعت عن المنكرات بأن تقوم بوجه الظالم وتمنع من الفساد والتحكم بمقدراتها وتقطع أي تطاول على المبادئ فقدرها أن تدوم طويلا ويبقى لها قيمتها, أما إذا تراخت وفقدت الصدق والصراحة وطغت المجاملة على حساب المبادئ وتغاضت عن اختراق الأدب فإن مآلها الضعف وكسر الشوكة ثم هلاكها, لا ما تقوله بعض الفلسفات أن الحتمية التاريخية سنة لا يمكن منعها بل الاختيار لا الحتمية وقد أكد هذا لنا القرآن الكريم هذه الحقيقة وصرّح بأن سبب الإنقهار والضياع بقانون هو من أجل قوانين الحياة قال تعالى (ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) وأكد في آيات أن عذاب الأمم باختيارها طريق الكفر والفساد قال تعالى: (وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) و ( ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) والآيات التي تتحدث عن هذا المعنى كثيرة فصلت للناس المنهج في الفعل والترك.
وحتى يعلم الفرد هذه الحقيقة، ويفهم جيدا ما هو دوره، فلابد أن يدرك بأن النطق بالشهادتين بلا عمل إغفال للمقصد, وليس من الإيمان الواقعي المطلوب في شيء فلا بد له من أن يأمر بالمعروف وينه عن المنكر لأن فيه الحياة قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ) فنظرة إلى أمتنا في هذا الزمان و الانكسارات التي أصابتها و الفتن المتوالية، من استعمار لبعض أرض المسلمين، وإلحاد يقود ورعية مسلمة مقادة, ومادية القوانين لأناس يعتقدون أنهم ذو بعدين، و الإفساد للأخلاق و تقطيع الأرحام، و التخلف العلمي، كل ذلك يجسده ترك العمل بمضمون هذه الآية، و سيستمر الحال إلى أن تنبعث فيها روح الاجتماع و يهتم الجميع بصلاح المجتمع و لا يتخلفوا عن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
ثم أنه لم يقتصر الحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الكتاب العزيز فقط بل كانت السنة تحث عليه وتبين آثار تركه نذكر منها:
1-ما روي عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)أنه قال: إن الله عز وجل لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم ، وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه ، فإذا فعلوا ذلك عذب الله العامة والخاصة .ويكفي في عذاب حجب الدعاء كما ورد في حديث الإمام (عليه السلام) الذي استهللنا به, والذي هو واحد من الآثار.
2-وقال (صلى الله عليه وآله): إن الله عز وجل ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دين له, فقيل له: وما المؤمن الذي لا دين له؟ قال: الذي لا ينهى عن المنكر .
3-خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) فحمد اللَّه وأثنى عليه وقال: أما بعد فإنه إنما هلك من كان قبلكم حيثما عملوا من المعاصي ولم ينههم الربانيون والأحبار عن ذلك وإنهم لما تمادوا في المعاصي ولم ينههم الربانيون والأحبار عن ذلك نزلت بهم العقوبات, فأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر واعلموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لن يقربا أجلا ولن يقطعا رزقا .
4-قال أمير المؤمنين (عليه السلام): أول ما تغلبون عليه من الجهاد, الجهاد بأيديكم، ثم بألسنتكم، ثم بقلوبكم، فمن لم يعرف بقلبه معروفا، ولم ينكر منكرا، قلب فجعل أعلاه أسفله وأسفله أعلاه .
5-قال أبو جعفر (عليه السلام) وأوحى الله تعالى إلى شعيب النبي (عليه السلام) إني معذب من قومك مائة ألف أربعين ألفا من شرارهم وستين ألفا من خيارهم, فقال يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ فأوحى اللَّه عز وجل إليه أنهم داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي .
6-عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) قال: ما قدست أمة لم تؤخذ لضعيفها من قويها بحقه غير متعتع .
7 -عن العالم (عليه السلام) أنه قال: إنما هلك من كان قبلكم بما عملوا من المعاصي، ولم ينههم الربانيون والأحبار عن ذلك .