ملامح السلوك العرفاني عند الإمام الكاظم(عليه السلام)
أصبح إمامنا أبو الحسن(عليه السلام) أنموذجا روحيا تتجسد فيه أدق المعاني الروحية الكامنة المعبرة بيقين عن أسرار العبودية للخالق, من خلال خضوعه التام له عز وجل وطاعته ومعرفته وخشيته, فكانت عيشته(عليه السلام) مشابهة لعيشة المرسلين من الذين تعايشوا مع الأجواء العبادية بروحية عالية تختلف عن الآخرين فأصبحوا رسلا ودعاة للحق والفضيلة, فلقبه (راهب الآل) انما جاء ليصف لنا ذلك, فابتهالاته الخاشعة ودعائه المتضرع المعبر عن أصالة الإيمان العميق بالله تعالى, وانفتاحه الفكري وخشيته من الله وتوجهه له بكامل كيانه وروحه الزكية بنطاق شامل من الروحانية الصافية المليئة بالشعور الفيّاض المعبر عن الطهارة النفسية وذوبانها في الذات الإنسانية واحساسه المتواضع بوجوده كعبد فقير بين يدي الله, و نحن إذا ما لاحظنا ان السلوك العرفاني كانت سمة مميزة لأهل بيت النبوة(عليهم السلام) والذي كان ظاهرا في دعائهم الذي لايخلو من الفلسفات العرفانية الواردة في التفكير الإسلاميّ المختلف عن تفكير الآخرين, والمنسجمة مع النهج القرآني الواقعي الصريح المختص بالحديث عن الله وصفاته وعن نعمه وآفاق وعظمته وملكوته ، والمطابقة أيضا لنهج المصطفى(صلى الله عليه وآله) ، فلا يشعر القارئ بأيِّ جوٍّ غريب عن تفاصيل ذلك الجو، بل يرى فيها حركة قرآنية على مستوى المفاهيم والمشاعر والتطلّعات الإيمانية والنبوية.
تسلح إمامنا (عليه السلام) بسلاح الصبر والدعاء, وظهرت ملامحه بصورة جلية وهو قيد الإقامة الجبرية في سجون الطغاة المظلمة ورهين القيود العنيدة لهارون العباسي ومن ابرز تلك الابتهالات قوله: (اللَّهم إنَّك تعلم أنّي كنت أسألك أن تفرّغني لعبادتك، اللهمّ وقد فعلت فلك الحمد) .
واجه إمامنا الواقع المرير بصبر وإرادة وحسم, فصبره الجميل والمقترن بالنهج العبادي أصبح سراجا وضاءا يستدل به للخروج من ظلمات السجون و الواقع الفكري المرير الى نور العقول المبصرة المدركة لعظمة الله تعالى, فقضى الصابر الأمين(عليه السلام)حياته في العبادة والطاعة روي لنا في ذلك: (انه كان يصلى نوافل الليل ويصلها بصلاة الصبح، ثم يعقب حتى تطلع الشمس، ويخر لله ساجدا فلا يرفع رأسه من الدعاء والتحميد لله تعالى حتى يقرب زوال الشمس، وكان يدعوه كثيرا في قوله:(اللهم أني أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب) ويكرر ذلك, ومن دعائه: (عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك, وكان يخشى الله ويبكي حتى تخضل لحيته بالدموع) , بلغ إمامنا(عليه السلام) بتلك الطاعة أعلى مراتب البيان و الحكمة والكمال المعنوي الدنيوي فاستحق بجدارة ان يلقب بالعبد الصالح.