رسالة إلى صاحب الذكرى
اشتاقت المقل الحائرة لرؤيتك, وتلهفت القلوب الموجوعة لوصلك, وما هدأت النفوس رغبة في لقاءك, حتى تناثرت الدموع من أجل مصيبتك, وتسابقت الخُطى بغية الوصول إلى جنتك, لتتلاشى هناك تلك الهموم المتراكمة عند النظر إلى حرمك.
سيدي ومولاي يا موسى بن جعفر أسألك يا من خشع الصبر من صبرك وطأطأت الهامات لهيبتك, وهلك الطغاة بدعائك, وظهرت بركات كراماتك, وشعت عبر الأزمان أنوارك, أن تشفع لنا عند الله في قضاء حوائجنا بأن يقّر عيون هذه الملايين المحتشدة تحت فيء قبابك بنظرة منك إلى مسائلهم, وأن يداوي قلوبهم بكشف كروبهم, ويطمئن نفوسهم بإزاحة همومهم, وليكّف دموعهم باستجابة دعائهم, ويتوّج مرضاهم بتاج الصحة والعافية, ويتكرم عليهم بغفران ذنوبهم, وأنلهم يا مولاي شفاعتك في الآخرة, فقد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وتكالبت عليهم المصائب والنوائب, وأحاط بهم الأعداء من كل جانب, ليبيدوا أبناءهم وأحبابهم وأقاربهم ويتركوا يتامى ونساءً ثكالى وأرامل.
فلم يثنِ ذلك من عزيمتهم وإصرارهم بل إنهم حطموا كل تلك القيود التي ألتفت حولهم حتى جاءوا إليك من كل حدب وصوب مشياً وسيراً على الأقدام متجشمين عناء السفر, وقد تعالت صرخاتهم وهتافاتهم معلنين حبهم ومجددين عهدهم وولائهم ليحيوا ذكراك الأليمة على قلوبهم ويسجلوا بوقفتهم هذه صوراً للانتماء الحقيقي لجدك المصطفى محمد وآله الطيبين الأخيار (عليهم السلام).
ولم يغب عنك يا إمامي إن هناك أُناساً لم يأتوك متأسفين على ذلك لكنهم قد تحشدوا على الخطوط الحمراء في ساحات المجد والعلى, فهم الآن مجانين بعشق الدين والعقيدة وأرض المقدسات, كعابس وجون وأصحاب الحسين (عليه السلام) الذين بذلوا مهجهم دونه, قد قدموا التضحيات الجسيمة وقايضوا أعداءهم بأغلى الأثمان والنفائس ليبنوا بأجسادهم ودمائهم الطاهرة سوراً عالياً وسداً منيعاً لحماية شعائر الله التي هي من تقوى القلوب.
فسجّلهم يا سيدي ومولاي مع جموع السائرين وكلّلهم بالنصر المبين على أعداء الدين واشفع لهم عند العلي العظيم, ليثبت قلوبهم على الإيمان ويشدد من عزيمتهم ويزيد في إصرارهم على القتال ودحر الظالمين ويتغمد الشهداء منهم برحمته الواسعة ويشفي جرحاهم بحق طه الحبيب وآله (عليهم السلام) وبحقك يا صاحب الذكرى إنه سميع مجيب.