آه على نفسي
على مشارف انتهاء رحلة عمري التي انقضت من دون شدّ حزام التقوى وعدم الالتزام بتعاليم ربان الخلق, تارة بالتسويف والتأخير وتارة أخرى بالنسيان والتقصير, تارك لشراع الهوى وزهو الشباب زمام الأمور للميل بي يميناً وشمالاً.
لترسو بعدها سفينتي الهوجاء ولم يبق منها إلا حطامها وبقايا لأطلال إنسان قد خطت الأخاديد والتجاعيد على صفحات وجهي تقادم السنين لتنذرني بقرب الفناء والرحيل إلى العالم الآخر.
بدء الندم يسري في خلايا عقلي والحزن والأسى يدب في خلجات نفسي وقلبي فحاولت تدارك ما بقى من عمري وصنع قارب إنقاذ لينجني مما أنا فيه, وأحصي ما فاتني من الصلاة والصيام فما أكثر عددها وما أعظمها من ديون وكيف يمكنني تسديدها بهذا العمر الفاني؟ فلقد فات الأوان وشقّ عليّ ذلك الأمر والأمراض قد أنهكت جسمي وأضعفته والزمن قد بدد قواي ولم أعد أتحمل, فأنى للشباب أن يعود ويُرجع معه النشاط والقوة والحيوية.
قررت في النهاية أن أصوم في هذه السنة في شهر رمضان حتى لو كان فيه نهايتي, إنها الساعات الأخيرة من نهار الصوم الطويل والعصيب بالنسبة لرجل مثلي طاعنٌ في السن قد عفا الله تعالى عن أقراني وبقيت أنا أصارع بين الندم والخوف منه وإدراك رحمته وعفوه, آه على نفسي التي تضعف كلما فاحت تلك الروائح الزكية إذ تُرسل مع هبوبها قوى خفية تهز جسمي وتجعله يرتجف من عصفها, متى تدق ساعة الإفطار وأتذوق ما يسد رمقي وأتخلص من ذلك الألم المرير الممزوج بالندم الشديد؟ فكلما أرى أولادي وأحفادي وهم يستقبلون الشهر الفضيل بكل حماس مسرورين بقدومه وفرحين بصيامه, أغبطهم على ما هم فيه من نعمة الصيام, وأُؤنب نفسي على تسويفها سابقاً وأغضب جداً على الذي يُفكر في تفويت ولو يوم واحد منه, وأحذرهم من ذلك وأشرح لهم تبعات هذا الأمر وما يحدث لهم في المستقبل إذا تعودوا على ترك الصوم أو الصلاة أو تأجيلهما, وكنت دائماً أقول لهم وأردد كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) ووصيته التي جاء فيها: (فتدارك ما بقي من عمرك, ولا تقل: غداً وبعد غد, فإنما هلك من كان قبلك بإقامتهم على الأماني والتسويف, حتى أتاهم أمر الله بغتةً وهم غافلون)
والحزن كل الحزن عندما أكون أنا مَضرَباً للأمثال السلبية أمام أولادي وأحفادي, وتخيلوا كيف يكون موقفي آنذاك؟ وكيف يعلو الخجل والانكسار على وجهي؟ لكن على الرغم من ذلك أنا أفتخر عندما ترسخ الدروس والعبر التي استنتجتها من تجربتي في أذهانهم لكي يستفيدوا منها ويتعظوا من ذلك الماضي الخاطئ تمهيداً لمستقبلهم الصحيح الزاهر.