نسمة الإله في ليلة القضاء
تجلت في حنايا روحي نسمة أمل, ترجو رضا الإله, وتتطلع إلى وصل للشفيع, مرضاتها ضمان لولوج الجنان, معرفتها إدراك لخير الليالي وأعظمها قدراً, فيها يتسابق الوالهون بألوان القيام والتضرع والتهجد لينالوا رحمة الرب الكريم.
كثيرة هي الروايات والأحاديث التي أفاضت علينا بأنواع الدرر والجواهر والجوائز التي تُهدى وعلى طبقٍ من ذهب للذين يجتهدون بالتقرب إلى الله تعالى بأخلص العبادات وموفور المناجاة في ليلة القدر, لكن أنى لهم أن يدركوا هذه الليلة؟ حتى يعترفوا بفضل بضعة النبي فاطمة (عليها السلام) ويقروا بحبها وبحب بعلها وبنيها (عليهم السلام), لأن من موجبات إدراك هذه الليلة الجليلة والعظيمة القدر التي هي عروس الليالي وتاج خير شهور الله سبحانه وفيها يفرق كل أمر حكيم, الاعتراف بحب الزهراء (عليها السلام) وأحقيتها والإقرار بفضلها فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: ((إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر): الليلة فاطمة، والقدر الله، فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر, وإنما سميت فاطمة لأن الخلق فطموا عن معرفتها) .
إذن فخير ليلة في السنة قد تُوّجت باسم خير نساء العالمين (عليها السلام) فحبها وذريتها خير من عبادة ألف شهر وقيام الدهر, فقد روي أن العالم (عليه السلام) قال : (عجبا لمن لم يقرأ في صلاته إنا أنزلناه في ليلة القدر, كيف تُقبل صلاته؟) , وعن الإمام الصادق (عليه السلام): (من قرأ إنا انزلناه في ليلة القدر, في فريضة من فرائض الله عز وجل ، نادى مناد: يا عبد الله، قد غفر لك ما مضى، فاستأنف العمل) , إذن فقبول العبادات والطاعات من قبل الله سبحانه وتعالى مقرون بذكر السيدة فاطمة (عليها السلام), وعن سلمان المحمدي قال: قال النبي (صلى اله عليه وآله): (يا سلمان من أحبّ فاطمة فهو في الجنّة معي، ومن أبغضها فهو في النار، يا سلمان حُبّ فاطمة ينفع في مائة من المواطن أيسر تلك المواطن الموت، والقبر، والميزان، والحشر، والصراط، والمحاسبة، فمن رضيت عنه ابنتي رضيتُ عنه، ومَن رضيتُ عنه رضي الله عنه، ومن غضبت عليه فاطمة غضبتُ عليه، ومَن غضبتُ عليه غضب الله عليه، وويل لمن يظلمها ويظلم بعلها أمير المؤمنين عليّ، وويل لمن يظلم ذرّيتها وشيعتها) .
فكيف يريد الذين ينكرون حقها ويبغضونها ويقتلون ذريتها ويعادون محبيها أن تُقبل صلاتهم وصومهم وسائر عباداتهم في هذه الليلة العظيمة وفي غيرها من الليالي؟ فهم وإن أدّوا فرائضهم وحافظوا على أوقاتها وأجهدوا أنفسهم في النوافل والمستحبات فإنها تذهب هباءاً منثوراً لأنها خالية جوفاء من المعنى الحقيقي لها والغاية التي وُجدت من أجلها وهي الإقرار بأحقية أهل البيت (عليهم السلام) ومن ضمنهم السيدة الزهراء (عليها السلام) ولو افتدوا بأعمالهم تلك وزن الأرض ذهباً لن يتقبلها الله منهم, فقد ورد عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام): (إن الناس لما قتلوا الحسين بن علي أمر الله عز وجل ملكا ينادي: (أيتها الأمة الظالمة القاتلة عترة نبيها، لا وفقكم الله لصوم، ولا فطر) .
وكما تعلمون أن من أحب شخصاً سعى لمرضاته وسار على نهجه واقتفى أثره, فهنيئاً لمن أحب السيدة الزهراء (عليها السلام) وذريتها وعرف مكانتهم السامية عند الله عز وجل, وترجم هذا الحب إلى عمل خالص من خلال الالتزام بما جاءت به شريعة أبيها المصطفى (صلى الله عليه وآله) وآل بيته الميامين (عليهم السلام), وترك ما نهو عنه فهذا هو الإدراك الحقيقي والمعرفة الحقة بهم وبعقيدتهم وبدينهم السماوي.