الحشد الشعبي والتجربة المثمرة
إنّ التجربة المثمرة التي أنتجتها بذور الروح العالية والوعي اللامحدود الذي امتلكته المرجعية الرشيدة في تصدّيها للهجمة الداعشية، هذه التجربة التي وُلدت من رَحم الفتوى الجهادية للتطوع والدفاع عن الوطن والمقدسات، والتي ليس لها نظيرٌ يشابهها في تأريخنا المعاصر، والمتمثّلة في (الحشد الشعبي) والانتصارات العظيمة المتحققة على يد أبطاله في سوح الجهاد ينبغي أن ينظر لها بكل إجلالٍ وإكبارٍ وتقديس ٍ، كما يجب أن ينظّرَ لها ويخطط لها وفق برامجٍ وخططٍ إستراتيجية وتنمويةٍ حفاظاً عليها وعلى استمرارها وديمومتها، فضلاً عن قطع الطريق على دواعش السياسة – ممن يسعون الى وئد هذه التجربة الفريدة - و لكي لا يكون هذا الحشد المقدس عنوانا للمواجهة العسكرية المسلحة مع كيان داعش الإرهابي فحسب، بل يتجاوز هذا البعد ويتعدّى هذا السقف المحدد، فيصبح عنوانا لبناء الجبهة الداخلية، ومنطلقاً في التأسيس لمرحلة ما بعد التحرير، ولما يمكن تحقيقه لعراقنا الجريح بعد هزيمة العدو الداعشي.
إنّ الحشد يمتلك من المقومات العقائدية والمشتركات الوطنية ومن الطاقات الكامنة والهائلة التي من الممكن أن تصنع المعجزات، ولاغرو في ذلك فما استطاع الحشد الشعبي تحقيقه من مكاسبٍ عسكريةٍ وانتصاراتٍ عظيمةٍ في وقت ٍ قياسيٍّ، بات بسببها يحظى باحترام وإعجاب المجتمع الدولي واعترف بها الأعداء قبل الأصدقاء – والفضل ما شهدت به الأعداء – ، هذه الخصوبة والامتيازات تجعله مؤهلاً كمكون شعبي جماهيري لأن يكون الفرصة الذهبية التي أصبح العراقيون يمتلكونها - ببركة المرجعية الرشيدة - في تقرير مصيرهم وبناء مستقبلهم، وأحد عوامل القوة وأسبابها أنّ الحشد الشعبي قد تجاوز كل السمات الفئوية والطائفية، في دفاعه عن الثوابت الوطنية، ويكفي أنّ قوافل الشهداء والمضحّين قد احتوت وروداً وزهوراً يضوع عبيرها وتتعدد ألوانها، وأنّ سواتر الجهاد تعجُّ بالشجعان من أطياف أخرى ، ممن آمنوا بقضيتهم، وأيقنوا تماماً أن المرجعية الدينية الرشيدة المتمثلة بسماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني(دام ظله الوارف) هي الراعي الحقيقي لهمومهم، والمدافع عن مصالحهم، والقتال تحت رايتها يعني الانتصار الحقيقي للعراقيين الشرفاء.
إنّ هذه المقومات قد أحرجت دواعش السياسة ممن تاجروا بأرواح أبناء وطنهم، فأخذ قسمٌ منهم بالتهجم على الحشد بالتقليل من أهمية الانتصارات التي يحققها أو اتهامه باتهامات سخيفةٍ وباطلةٍ تفتقر إلى الإقناع والموضوعية ، فأصبحوا مثاراً للسخرية والتهكّم، على أمثال هؤلاء، أما الآخرون فقد كانوا أشدّ لؤماً وتخفياً، فحينما لم يتسنى لهم أن يتعرضوا للحشد كونه أصبح عنواناً يسمو على كلّ الاتهامات، ولن يجدوا هم ومن هو على شاكلتهم أذناً صاغيةً لما لا يعقل من ترّهاتهم، وكما يقال حدّث العاقل بما لا يعقل فإن صدّق فلا عقل له، فعمدوا إلى توصيف جديد لقوى الحشد عبر وسائل الإعلام المروجة لسمومهم ، بقولهم بأن الحشد إنّما هو صنفان أحدهما من يقاتل الكيان الداعشي ولا نتهمه، وإنما نتّهم الصنف الثاني من الحشد فهنالك قوى لا عمل لها غير السلب والنهب والعنف الطائفي، وأمثال أؤلئك لا يستحقون الردّ عليهم إلا بعبارةٍ واحدةٍ وهي أنّ الحشد الشعبي يمثله أبناء العراق من الغيارى والمخلصين الّذين استجابوا لنداء المرجعية الرشيدة، وشمّروا عن سواعدهم للدفاع عن وطنهم ومقدّساتهم، وكل ما يخالف ذلك فلا يصدق عليه هذا العنوان، وأما من يسعون إلى التعرض لحقوق الناس وكرامتهم، ويقتلون الأبرياء العزّل،أمثال هؤلاء -أينما كانوا وحيثما كانوا- ليسوا إلا نظائر مشابهة للإرهاب وخلايا داعمة له، تحاول أن تنخر الجسد العراقي وتسعى إلى إشعال الفتنة الطائفية، والمرجعية الرشيدة التي حرصت كل الحرص على تهذيب ورعاية أبنائها في الحشد الشعبي ورفدهم الدائم بالنصائح والتوجيهات أكّدت وفي أكثر من موضع، خطورة التسامح مع أمثال هؤلاء، داعيةً الجميع من أبناء الوطن إلى التصدّي لهم بكل حزمٍ ، بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية والطائفية، وأن يعاملوا معاملة الإرهابيين وأن يُقتصّ منهم القصاص العادل، وكما قال تعالى(إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) - المائدة – الآية 33.
يبقى هنالك شيء لابدّ من التطرق إليه، يأتي في سياق الواجب الذي يُلزمُ به الجميع حفاظاً على كل الانتصارات والمكتسبات، ألا وهو ضرورة تحصين أنفسنا بثقافةٍ جديدةٍ تساهم بالتأكيد في تحقيق ذلك، وأن لا تفوتنا فرص الاستفادة من الأحداث الدامية التي تتخلل المشهد العراقي، والكيفية التي يتعامل معها كيان داعش الإرهابي، فمن الواضح تماماً التصعيد الذي يمارسه الأعداء من الهجمات الإرهابية التي تطال الأبرياء عند تعرضهم للمزيد من الانتكاسات والهزائم المتلاحقة في ساحات الجهاد، في محاولةٍ بائسةٍ لتقليل الضغط عند المواجهة ، وسعياً إلى مشاغلة القوات الأمنية في داخل المدن الآمنة، ومن هذه المناورات الجبانة ما حصل مؤخراً في بغداد الجديدة، والتي راح ضحيّتها عددٌ كبيرٌ من الأبرياء العزّل، وكان لها أصداءها ليس على ساحة الصراع فحسب، بل على المستوى الدولي ، وهو هدف آخر كان يطمح له التكفيريون -وللأسف - قد نجحوا في تحقيقه، ومن المعيب أن نعطي هؤلاء الأوباش مثل هذه الفرص لإثبات وجودهم، ولسنا بصدد دراسة ملابسات الحادث، والكيفية التي تمت بها هذه الهجمة الكافرة ،أو التعرف على القصور الأمني في مواجهتها، وإنما كان هنالك نمط جديد مارسه المهاجمون مشابهٌ تماماً للهجمات التي حصلت في باريس في التصويب العشوائي على المارّة والمتبضعين مع وجود سيارة مفخخة والأحزمة الناسفة، وهنا نقول أن من العوامل التي أربكت الأجهزة الأمنية هي ارتداء هؤلاء التكفيريين زياً مشابهاً لزيّ أبطالنا في الحشد الشعبي وفصائل المقاومة الإسلامية، كما أنّ من المعلوم أن إطلاق العيارات النارية هي اليوم من المظاهر الخاطئة والمتفشّية في الوسط الاجتماعي، فضرب العيارات الناريّة أصبح- وللأسف – مألوفاً، ولا يثير انتباه الأجهزة الأمنية، بل ويشترك فيه الجميع – دون استثناء- في الأفراح والأتراح وفي فوز المنتخب الوطني، ولا يخفى ما تسببه هذه الظاهرة من مصائب وخسائر بالأرواح، وكأن إطلاق العيارات النارية أصبح موضةً جديدةً ومظهراً من مظاهر التعبير عن القوة وواقع الأمر أن القوة ومظاهرها ينبغي أن تكون حاضرةً في ساحات المواجهة مع العدّو المشترك، وليس في المدن والأحياء الآهلة بالسكان ، ثم كيف يتسنى لرجل الأمن أن يفرز أو يفرق بين هذا النوع من الإطلاقات وبين ما يحصل من مواجهات مسلحة تحتم على القوى الأمنية بالتدخل وقيامها بالواجب المطلوب والكل يرتدي الزيّ العسكري والكل يحمل السلاح ، وليس من العسير أو المستصعب أن تجتمع القيادات الأمنية مع القيادات الفاعلة في المؤسسات العسكرية والحشد الشعبي للتنسيق في احتواء الكثير من المظاهر المسلحة وحظر بيع الملابس وحمل السلاح بهذه الكيفية من الفوضى ، ولكن الأهم من ذلك أن تكون هناك وقفةٌ مجتمعيةٌ نحن أحوج ما نكون إليها في هذه المرحلة، مع شعورٍ عالٍ بالمسؤولية ، ومؤازرةٍ شعبيةٍ لاعمام مثل هذه الثقافة التي إذا ما تحققت – وليس ذلك بالمستحيل – ستولّد قوةً جماهيريةً تتحطّم على صخرتها كل المؤامرات.