شبابنا .. بعد الريح الهوجاء
المعروف لدى العقلاء أن الشباب هم عصب الحياة، والقوة الدافعة للشعوب، والمحرّرة للقيود، وبهذه الشريحة وبمقدار نضجها تأتي القيم و تتكامل القوى، وتعظم الأمم، وتزدهر العلاقات، وتنتعش النفوس، وتكبر الطموح والآمال. وإذا أردنا أن نتحدث عن شبابنا في هذه الأيام والعراق يمر بظروف غير طبيعية، فهو في حالة تصدي لهجمات أعداء الإنسانية، والظرف الاقتصادي القاسي الذي تعرض إليه، عندها ينقسم شبابنا إلى فئات، الأولى : تركت الوطن وهاجرت إلى الأمان المزعوم، متحملة الغربة المذلة، والابتعاد عن المقدسات التي لا تعوض بملك الدنيا، فهي الأمان الحقيقي والاطمئنان اليقيني. والثانية : متفرجة وكأنها من غير أهل الوطن،غير مكترثة بما يحل وما يحصل في الواقع، الفرد فيها يفهم الحرية بلبس بنطلون البرمودا ويضع سماعة في أذنه ويعيش لحظته مع ما يسمعه بعيدا عن أهله وناسه، وقد رتّب شعر رأسه بطريقة تثير الاشمئزاز، وطلى وجهه بالمساحيق، وقد أذاب معنى الرجولة وفرّغ محتوى الإنسانية من معناه، والثالثة : شباب مؤمن واعي فهموا معنى الحياة الكريمة فشمّروا عن سواعدهم وحملوا لواءين، أحدهما: لواء الجهاد، والآخر: لواء النصر، غير مبالين بما يحصل له، فترك الأهل والأحبة، وجافوا فراشهم الدافئ وغطاءهم الذي يحميه، وافترش الأرض واحتموا بغطاء بسيط، تجمّع عليه برد الشتاء، متربصون بالعدو ليلا ونهارا، همّه الأول والأخير حماية الأرض والمقدسات، ودفع الخطر عن البلاد، والحفاظ على هوية العربي الأصيل والانتماء إلى الدين الحنيف.
قد ظهرت حالات نادرة في أجواء المعركة، وصور تبعث الفخر والاعتزاز بأفراد قواتنا المسلحة وأبطال الحشد الشعبي، فالكثير منهم عندما يتعرض إلى إصابة يرفض الإخلاء من أرض المعركة، أو عندما يعرض عليه اختيار البقاء في مكان بعيد عن أرض القتال يرفض ويبادر إلى سرعة الالتحاق مع إخوته في الصفوف الأمامية للمواجهة، ومنهم من يؤثر بطعامه أو شرابه لأخيه المقاتل، ومنهم من يقدّم ما يملك من أمواله دعما للمعركة، والذي أعجبني حسن تدبير المقاتلين في إدارة المعركة وتهيئة الظروف التي تديم المعركة وجني الثمار المرجوّة، ما صنعه بعض الشباب عندما اشتروا بأموالهم سيارة قديمة الصنع قد ركنها صاحبها لعطلها وعدم الاستفادة منها، وما إن أصبحت ملكاً لهم حتى بدءوا بتعميرها وتحويرها إلى سيارة مدرعة ناقلة، نصب عليها سلاح متوسط، وأدخلوها المعركة لتساهم في إدامة المعركة واستمرار التصدّي للعدو ومواجهته. مثل هذه الحالة تفرحنا وتزيد من اعتزازنا بشبابنا، وتكبر ثقتنا بمن يستخلفنا، ونطمئن على مستقبلنا.