شعاعٌ من عظيم النور
مدرسة سيد الشهداء مدرسة عريقة وعميقة، فهي تمد الإنسان بالدروس والمُثل النابضة بالحياة والتي يسرها إلينا الإمام الشهيد حتى يضيء دروبنا المعتمة، سواءً بسيرته أو وصاياه التي جرت على لسانه كأنها لآلئ منظومة ودرر مكنونة، من هنا كان من الأجدى والأجدر بنا جميعاً الانتهال من هذا المعين المعطاء الذي يهذب النفوس ويشحذ الهمم وينمي الوعي ويدفع بالإنسان شوطاً إلى الأمام، وفي هذه العجالة لا يسعنا إلا أن نقتبس شيئاً من مجمل تراثه الكلامي الثرّ.. فمن بين وصاياه العسجدية التي حفظها لنا التاريخ وسجل كلماتها الناصعة بأحرف من نور قوله (عليه السلام): (الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معايشهم، فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الدّيّانون).
لقد أصاب أبو عبد الله(عليه السلام) كبد الحقيقة عندما أطلق هذه الكلمات ذات المعاني الفسيحة والفوائد الغزيرة، فالناس هم عبيد لدنياهم يفنون أثمن ما يملكون في سبيلها، إذ يقدمون أعمارهم حتى يطلوا نعيم الحياة الدنيا الزائلة، فما أجمل وصف الإمام (عليه السلام) عندما يضرب مثلاً يُقرب من خلاله المقصود إلى الأذهان، ويُسهل قبول الفكرة من قِبل المتلقي فهو يريد أن يقول: إن العبد يبذل ما في وسعه لأستحصال مرضاة سيده، وهذا ما يقتضيه مفهوم العبودية وهي الانقياد التام والأعمى والطاعة المطلقة التي لا توصد عند حدّ، وهذا مما يؤسف له شديد الأسف، إما الجزء الثاني من مقولته العسجدية(عليه السلام) (والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معايشهم) بالفعل واقع الحال هو كذلك إذ نرى بعض الناس عباد و زهاد، وكأنهم قد تدرعوا بدروع الحياء، ولبسوا لباس الخلق الرفيع، ولكن ما إن تُمس مصالحهم الذاتية أو الشخصية أو على الأقل عندما تكون على المحك سرعان ما تراهم يغيرون ألوانهم ويظهرون خلاف هذه المظاهر، وهم بعدُ (يحيطونه) -أي الدين- ويستغلوه ما درت معايشهم ومصالحهم ومكاسبهم الدنيوية الرخيصة، أما الجزء الأخير من مقولته الذهبية فقد عبر (عليه السلام) عن مرحلة الاختبار التي يُميز الخبيث بها من الطيب وهي الغربلة والتمحيص بالبلاء، وهذا ما جُبلت عليه الحياة التي هي دار بلاء، فمرحلة التقلبات الصعبة يجتازها أهل القلوب القوية لا سواهم، فهذه المقولة التي يسرها لنا الإمام الحسين(عليه السلام) عن علاقة الإنسان بدنياه لهي جديرة بإدامة النظر وبالتأمل والتدبر حتى يتغلغل ويتعمق مفهومها في الدواخل.