حقوق الجار
أولت الشريعة الإسلامية المقدسة موضوع الجوار والجار عظمة وأهمية كبرى، حيث شرَّعت كثيراً من الحقوق والواجبات و المستحبات التي لا بد من معرفتها، حتى تكون هذه المعرفة طريقاً لتطبيقها، وبذلك ينشأ المجتمع المتراص المتحاب بعد تأكيده على ضرورة بناء اللبنة الأولى للمجتمع (الأسرة)، وكيفية الروابط بين أعضائها، مما ينتج أسرة صالحة، ثم يأتي دور العلاقات والأواصر بين هذه الأسر، وقد قرن القرآن الكريم عبادته بلا شريك بالإحسان إلى الوالدين أولاً، والأرحام ثانياً، والأيتام والمساكين ثالثاً، والجار بقسميه القريب الدار والبعيد الدار رابعاً، ثم والأخير الصاحب، وفي السُنَّة الكثير حتى وصل إلى ظن النبي أو المؤمنين بأن الجار يُورِّث جاره، وقد حدَّدت السنة الشريفة حدود الجار الموصى به بأربعين داراً من الجوانب الأربعة (الشرق والغرب والشمال والجنوب), مما يشكِّل منطقة كاملة يجب مراعاة الحقوق الإسلامية معهم، فعلى العاقل أن يهتم بمنطقة سكناه واختيار الجار الخيِّر، وعليه أن يبذل جهده في اختيار الجار قبل الدار، وعلى كل حال فللجار دائماً حقّاً قد يزداد، كما إذا كان الجار مسلماً ورحماً فله حق الجوار والإسلام والرحم، وإن كان من غير الأرحام وهو مسلم فله حق الإسلام وحق الجوار, وإن لم يكن مسلماً فله حق الجوار فقط، ومن حقوقه إكرامه حال حضوره والرفع من شأنه وتقفده إذا غاب، وحفظه حال غيبته بالدفع عنه أمام مغتابيه، أو الذي لا شغل له إلا الاعتداء على الآخرين، وخاصة إذا كان مظلوماً، فنصرة المظلوم من صفات المؤمن مطلقاً، وتتأكد بحق الجار، وبذل النصح له في مقام الاستشارة أو ابتداء، لأن النصح فرع محبة المنصوح والاهتمام بأمره، لكن بشرط أن تكون النصيحة سراً، لأن العلن في النصيحة أو أمام الملأ لون من ألوان الإهانة، وهي محرمة للجار ولغيره، بل كل نوع من أنواع الإيذاء يدخل في دائرة المحرمات، وربط ذلك بالإيمان بالله واليوم الآخر، بل المطلوب في الجهة الثانية تحمل أذاه ومحاولة الصفح عنه، وإقالة عثرته، وقبول عذره إذا جاء معتذراً، وعدم تتبع عثراته، أو الإطلاع على أسراره، والمطلوب مساعدته في احتياجاته مهما أمكن ذلك من قرض أو إعارة أو إطعام وغير ذلك، ومن أهم ذلك الوقوف معه في كل ما يمر به من أفراح وأحزان والمشاركة معه في ذلك فيفرح لفرحه، ويحزن لحزنه، ويزوره أن مرض ويشيعه إذا مات، وكلّ هذه الحقوق تدل على أن الملتزم بها مؤمنٌ يستحقُّ الأجر والثواب، إضافة إلى زيادة الرزق، وعمارة الديار، وطول العمر.